نهر الفرات.. مصدر الحياة والموت في آن معاً
لا يخفى على أحد أن نهر الفرات أكبر الأنهار في سوريا يشكل المصدر الأساسي للطاقة ومياه الشرب لما يزيد عن 5 ملايين نسمة، كما يوفر مياه الري لآلاف الكيلو مترات من الأراضي الزراعية، وبالتالي يمثل شريان الحياة للناس في المنطقة.
ينبع الفرات من تركيا ويعبر الأراضي السورية عند مدينة جرابلس بريف حلب ويمر من محافظة الرقة وبعدها بدير الزور ثم يخرج من الأراضي السورية عند مدينة البوكمال ليدخل العراق عند مدينة القائم في الأنبار.
في العام 2020 بدأ منسوب نهر الفرات بالانخفاض بشكل واضح، تزامناً مع أسوأ موجة جفاف شهدتها المنطقة منذ سنوات، والتي ترافقت مع خفض الوارد المائي من تركيا عبر النهر، حتى وصلت بعض البحيرات الواقعة عليه إلى المستوى الميت، مثل بحيرة سد تشرين، وكذلك اقتراب بحيرة السد الرئيسية من المنسوب الميت، الذي يعني توقف محطات توليد الكهرباء، وبالتالي خروج السد عن الخدمة.
تحذيرات من الكارثة
مع استمرار تقليص الوارد المائي من قبل تركيا أطلقت الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا والعديد من الجهات المحلية والإقليمية والدولية تحذيرات من أن هذه الإجراءات ستفضي إلى حدوث كارثة إنسانية وبيئية تلحق بملايين الناس في وادي الفرات.
في شهر أيار من عام 2021 قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن نهر الفرات انخفض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ بسبب حجب الجانب التركي لمياه النهر بحيث بات لا يتجاوز تدفقه 200 متر مكعب في الثانية، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للاتفاقية الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1987، التي تلزم تركيا بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الأقل.
الفاجعة وقعت
تلك التحذيرات لم تلق آذاناً صاغية، واستمر منسوب النهر بالانخفاض، ما أدى إلى ارتفاع نسب التلوث فيه، بحسب ما أعلن مجلس الرقة المدني في 9 أيار 2021.
وفي تسجيل مصور نشره المجلس قالت المخبرية رنا مصطفى عبد القادر من مكتب البيئة إنهم لاحظوا زيادة نسبة تراكيز العناصر والأملاح، بسبب انخفاض منسوب النهر.
ومؤخراً تم تسجيل العديد من الإصابات بمرض الكوليرا الخطير، وتم ربط الإصابات بشرب مياه ملوثة من نهر الفرات، أو سقاية مزروعات بمياه ملوثة قادمة من النهر أيضاً.
وطالب الرئيس المشترك لهيئة الصحة في شمال شرق سوريا الدكتور جوان مصطفى الأهالي بعدم شرب المياه مباشرة من نهر الفرات، وتعقيم الخضار قبل تناولها، وبالتحديد التي تزرع على سرير النهر.
وأكد مصطفى أن “السبب الرئيس بعد الدراسة التي قامت بها هيئة الصحة بالتعاون مع جميع المنظمات الدولية لوجود مرض الكوليرا في شمال وشرق سوريا هو انخفاض منسوب مياه نهر الفرات”.
الأمم المتحدة: الفرات مصدر المرض
من جانبه أعرب المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، عمران رضا عن قلقه الشديد من تفشي الكوليرا المستمر في سوريا، موضحاً أن التقييمات الأولية السريعة تشير إلى أن “مصدر العدوى يُعتقد أنه مرتبط بشرب الأشخاص مياه غير آمنة من نهر الفرات، واستخدام المياه الملوثة لري المحاصيل”.
ووفق المسؤول الأممي، فقد تم “تكثيف مراقبة الإنذار المبكر في المناطق التي تم الإبلاغ عن تفشي المرض فيها وفي مناطق أخرى شديدة الخطورة، بما في ذلك في المخيمات التي تستضيف الأشخاص المشردين داخليا”.
وبحسب إحصائيات هيئة الصحة شمال شرق سوريا فإن عدد الوفيات بالكوليرا في المنطقة بلغ 15 حالة وفاة خلال الفترة الممتدة من 5 وحتى 21 أيلول الجاري.
وخلال الفترة ذاتها تم تسجيل 2,867، من بينها 78 حالة مثبتة.